المرونة النفسية Psychological Resilience

المرونة النفسية Psychological Resilience

    في ظل ظروف الحرب والكوارث هناك أفراد لديهم قدرة على التعامل مع الضغوط والتحديات أكثر من الأفراد الآخرين رغم تعرضهم لنفس الظروف، فما تفسير هذا الاختلاف وماهي المرونة النفسية وكيف أستطيع تعزيزها.

مفهوم المرونة النفسية:

    يشير قاموس Webster (2022) أن المرونة في الفيزياء هي قدرة مادة مرنة (مثل المطاط أو الأنسجة الحيوانية) على امتصاص الطاقة (من ضربة) وإطلاق تلك الطاقة عندما تعود إلى شكلها الأصلي، يمكن النظر إلى التعافي الذي يحدث في هذه الظاهرة على أنه مشابه لقدرة الشخص على التعافي بعد الانتكاسة الصارخة، تُشتق كلمة المرونة من الفاعل الحالي للفعل اللاتيني (Resilire)، والذي يعني القفز للخلف أو الارتداد. ((Para.2

    وهذا يتسق مع المعني اللغوي لمصطلح Resilience إذ أنّ هذه الكلمة مشتقة من أصل لاتيني يعني يقفز على أو يتجاوز أو يستعيد، وقد تم تناول مفهوم المرونة النفسية من قبل العديد من العلماء والباحثين بالعديد من التعريفات، مثل التوافق النفسي والكفايات، ويشير مصطلح المرونة النفسية Psychological Resilience في علم النفس إلى ميل الفرد إلى الثبات والحفاظ على هدوئه واتزانه الذاتي والروحي عند التعرض إلى ضغوط أو مواقف عصيبة، فضلاً عن قدرته في التوافق الفعال والمواجهة الإيجابية لهذه الضغوط وتلك المواقف الصادمة. (محمد، 2018، ص.4)

تعريف المرونة النفسية Psychological Resilience:

    يعرفها (Masten, 2009، كما ورد في عبد الفتاح وحليم، 2014) أنّها: “القدرة لدى الفرد على استعادة توازنه بعد التعرض للمحن والصعاب، بل وقد يوظف هذه المحن والصعاب لتحقيق النمو والتكامل، وبالتالي هو مفهوم دينامي يحمل في معناه الثبات، كما يحمل في معناه الحركة” (ص.93).

    ويعرفها Hamill, 2009)، كما ورد في البشراوي والعزاوي، 2018) أنّها: “القدرة على التعافي من الشعور السلبي والقدرة على المرونة الإيجابية امام تحديات الصدمة” (ص.391).

أنواع المرونة النفسية:

حسب شيري Cherry (2022) هناك أربعة أنواع للمرونة النفسية وهي:

  1. المرونة الجسدية: وتشير إلى كيفية تعامل الجسم مع التغيير والتعافي من المتطلبات الجسدية والأمراض والإصابات، تشير الأبحاث إلى أن هذا النوع من المرونة يلعب دوراً مهماً في الصحة.
  2. المرونة العقلية: وتشير إلى قدرة الشخص على التكيف مع التغيير وعدم اليقين، الأشخاص الذين يمتلكون هذا النوع من المرونة يتمتعون بالمرونة والهدوء في أوقات الأزمات.
  3. المرونة العاطفية: وتتضمن القدرة على تنظيم المشاعر في أوقات التوتر، إنهم يدركون ردود أفعالهم العاطفية ويميلون إلى أن يكونوا على اتصال بحياتهم الداخلية لهذا السبب، فهم قادرون أيضاً على تهدئة أذهانهم وإدارة عواطفهم عندما يتعاملون مع تجارب سلبية.
  4. المرونة الاجتماعية: والتي يشار إليها أيضاً باسم مرونة المجتمع، وتشير لقدرة المجموعات على التعافي من المواقف الصعبة، وتشمل جوانب المرونة الاجتماعية التجمع بعد الكوارث، ودعم بعضنا البعض اجتماعياً، وإدراك المخاطر التي يواجهها المجتمع، وبناء الإحساس بالانتماء للمجتمع. ((Para.3

العوامل المؤثرة في المرونة النفسية:

    تسهم بعض العوامل في زيادة المرونة النفسية وتعزيزها، وغياب البعض منها يعني تراجع المرونة النفسية، وحسب ليفين Levine (2003) هناك عدد من العوامل البيئية السلبية للقدرة على المرونة النفسية وتتمثل في الآتي:

  • سوء رعاية الأم والطفل قبل الولادة وبعدها: وتتشكل من خلال الخلل الوظيفي الإدراكي أو السلوكي أو العاطفي.
  • الفقر: والذي يضيف الحرمان والضغط، مما يجعل التكيف أكثر صعوبة، ويقلل من فرص النمو الشخصي.
  • سوء المعاملة / الإهمال / التحرش: ويرتبط بشكل ملحوظ بالتطور الصعب، ثم ظهور الأعراض لاحقاً
  • الخلل الوظيفي الأسري / الخلاف / الاضطراب: حيث يفرض بيئة من الفوضى وعدم الاستقرار على الأطفال الذين يستفيدون أكثر من الاستقرار والنمو والرعاية.
  • اضطرابات الوالدين النفسية: إذا لم يتم علاجها أو إدارتها، فقد ثبت أنها تؤثر على النسل بطريقتين إما عن طريق الضعف الجيني، أو عن طريق زيادة الفوضى والاضطراب.
  • مدارس غير ملائمة / فقيرة: فالمدرسة هي واحدة من أكثر حلفاء الوقائية والتأهيلية أهمية لنا في كفاحنا ضد فقدان الأطفال في المجتمع. حيث يمكن للمدارس في كثير من الأحيان تعويض العجز النفسي والاجتماعي في أماكن أخرى من حياة الطفل.
  • فقدان الكبار الذين يرعونهم: ربما تكون الخسارة الأبرز والأكثر أهمية لجميع المكونات الضرورية في حياة الطفل.
  • غياب المرشدين والنماذج: والذي يرتبط بما سبق، ولكنه غالباً ما يكون مساعداً أو يمكن أن يعمل كبديل.
  • حرب / ثقافة العنف والفوضى: والتي تشكل ضرر فادح على جميع المجالات.
  • قوى قاهرة (كوارث طبيعية): والتي يمكنها تدمير العائلات وإلحاق الإصابات والخسائر الوحشية وإزالة أي مظهر من مظاهر الاستقرار. (para.3)

     في حين يشير تشينغوين Qingwen (2017) في دراسته لمرونة المجتمع الفيتنامي والذي تعرض لتحديات وصدمات جماعية نتيجة الحروب والكوارث، وتوصل إلى أن اللغة الأصلية، والأعراف والممارسات الثقافية، والمعتقد الديني، والعقلية الجماعية للاكتفاء الذاتي، والشبكات القوية على أنها خصائص فريدة لمرونة المجتمع، وإن مرونة المجتمع الفيتنامي مستمدة من تاريخ اللجوء وإعادة التوطين.   

    وتضيف هورلي Hurley (2022) في مقالها بوجود خطوات يمكن أنّ تساعد في بناء المرونة وتنميتها بمرور الوقت وهي:

  • تنمية الوعي الذاتي: إن فهم كيفية استجابتك للتوتر والشدائد هو الخطوة الأولى نحو تعلم المزيد من الاستراتيجيات التكيفية، يشمل الوعي الذاتي أيضاً فهم نقاط قوتك ومعرفة نقاط ضعفك.
  • بناء مهارات التنظيم الذاتي: إن الاستمرار في التركيز على مواجهة التوتر والشدائد أمر مهم ولكنه ليس بالأمر السهل يمكن أن تساعد تقنيات الحد من التوتر، مثل التخيل الموجه، وتمارين التنفس، وتدريب اليقظة، الأفراد على تنظيم عواطفهم وأفكارهم وسلوكياتهم.
  • تعلم مهارات التأقلم: هناك العديد من مهارات التأقلم التي يمكن أن تساعد في التعامل مع المواقف العصيبة والصعبة، وهي تشمل كتابة اليوميات، وإعادة صياغة الأفكار، وممارسة الرياضة، وقضاء الوقت في الهواء الطلق، والتواصل الاجتماعي، وتحسين النظافة النوم، والاستفادة من المنافذ الإبداعية.
  • زيادة التفاؤل: يميل الأشخاص الأكثر تفاؤلاً إلى الشعور بمزيد من التحكم في نتائجهم لبناء التفاؤل، والتركيز على ما يمكن القيام به عندما تواجه تحديا، وتحديد خطوات إيجابية لحل المشكلة التي يمكن أن تتخذ.
  • تقوية الروابط: يمكن أن تلعب أنظمة الدعم دوراً حيوياً في المرونة، عزز اتصالاتك الاجتماعية الحالية وابحث عن فرص لبناء علاقات جديدة.
  • تعرف على نقاط قوتك: يشعر الناس بمزيد من القدرة والثقة عندما يتمكنون من تحديد مواهبهم وقوتهم والاستفادة منها. (Para.5)

    وتوصلت مجموعة كبيرة من الأبحاث حسب ساوثويك، وآخرون Southwick, et, al (2016) إلى أن المرونة النفسية يتم تعزيزها عموماً من خلال الظروف البيئية وتقديم الرعاية أثناء الطفولة التي تتسم بالحب والاستجابة العاطفية والمتسقة والموثوقة. يشير هذا العمل إلى أنه عندما توفر البيئة أيضاً فرصاً كبيرة للسيطرة على التحديات والضغوط، يمكن أن يكون لها تأثير “صلب”، مما يمكن أن يساعد في تعزيز المرونة. حيث يمكن أن تدعم مثل هذه الظروف الاجتماعية والبيئية أيضاً تطوير السمات والمهارات الفردية المرتبطة عادةً بالمرونة، بما في ذلك القدرة على تنظيم المشاعر، وتهدئة الذات، وحل المشكلات تحت الضغط، وتكوين روابط آمنة، والحفاظ على الصداقات والعلاقات الحميمة، واكتساب واقع واقعي، والشعور الإيجابي بوكالة العمل والكفاءة الذاتية. ((para.3

الموارد التي تبني المرونة النفسية وقت الحرب:

    في مقال للجمعية الامريكية لعلم النفس APA (2003) بعنوان ” المواد التي تبني المرونة في وقت الحرب للبالغين والأطفال”، وعلى عكس الصدمات التي حدثت لمرة واحدة، تتطلب الحرب نوعاً خاصاً بها من المرونة لأنّنا لا نعرف متى ستنتهي الحرب، وتتضمن هذه المواد والتي تعني المعلمين والآباء ومقدمي الخدمات ما يأتي:

  1. حافظ على روتينك اليومي: إنّ الحفاظ على روتين العمل اليومي والمهام والأعمال المنزلية والهوايات يمنحك شعوراً بالاستقرار عندما يبدو العالم من حولك فوضوياً.
  2. اعتني بنفسك: خصص وقتًا لتناول الطعام بشكل صحيح وممارسة الرياضة والراحة، حدد وقتاً للقيام بالأشياء التي تستمتع بها مثل الهوايات والأنشطة الاجتماعية، سيساعدك الاعتناء بنفسك والاستمتاع حتى في الحفاظ على توازنك وتمكينك من التعامل بشكل أفضل مع الأوقات العصيبة.
  3. قم بإجراء اتصالات: ابق على اتصال مع العائلة والأصدقاء وغيرهم، يوفر التواصل مع الناس الدعم الاجتماعي ويقوي المرونة.
  4. امنح نفسك استراحة إخبارية: تأكد من التحكم في مقدار الوقت الذي تقضيه أنت وعائلتك في مشاهدة وقراءة التغطية الإخبارية المتعلقة بالحرب، ربما تحد من تلقي الأخبار الخاصة بك بما لا يزيد عن ساعة واحدة في اليوم، لا بأس في إيقاف تشغيل التلفزيون أو الراديو والسماح لنفسك بالتركيز على الأشياء غير المتعلقة بالحرب.
  5. وجود خطة: وجود خطة طوارئ في مكان سوف تجعلك تشعر في السيطرة وإعداد لما هو غير متوقع، ضع خطة واضحة لكيفية استجابة وتواصل أنت وعائلتك وأصدقائك في حالة حدوث أزمة، احصل على اجتماع عائلي أو حي للتحدث عمن تتصل به في حالات الطوارئ أو حدد مكاناً للقاء إذا لم تتمكن من الوصول إلى شخص ما عبر الهاتف، ضع قائمة بالأشياء التي ستحتاج إلى أخذها في حالة الطوارئ. (Para.2)

ثمرات المرونة النفسية:

    يشير (شقورة، 2012، كما ورد في قاسم، 2017) إلى وجود ثمرات للفرد المتمتع بالمرونة النفسية وهي:

  1. تحقيق الصحة النفسية.
  2. تكوين نظرة إيجابية للحياة.
  3. زيادة الاستمرار في العطاء.
  4. القدرة على الاتصال الفعال بالآخرين.

    ويضيف (أبو حلاوة، وعكاشة، 2015، كما ورد في المرجع السابق) إلى ثمرات أخرى للمرونة النفسية هي:

  1. اللواحق الإيجابية بغض النظر عن مواقف الخطورة مرتفعة الشدة.
  2. الاحتفاظ بالكفاءة الذاتية في ظل الظروف الضاغطة.
  3. التعافي من الصدمات.
  4. التوظيف الإيجابي للمتاعب والتحديات واعتبارها فرصة للنمو والارتقاء مما يجعل متاعب ومشاق المستقبل متحملة. (ص.44)

    نرى مما تم تقديمه أن المرونة النفسية تعني قدرة الفرد على التعامل مع الضغوط والأحداث الصادمة، مع وجود الهدوء والتوازن النفسي، والرجوع إلى التواجد الذاتي السابق للفرد، تتأثر بعدد من الظروف والأحداث المحيطة بالفرد، لها نتائج إيجابية على الصحة النفسية وطريقة التعامل مع الضغوط، لمراحل الطفولة دور هام في بناء وتعزيز المرونة النفية مستقبلاً.

المراجع:

  • البشراوي، شاكر، العزاوي، سالم. (2018). المرونة النفسية وتوجهها نحو الحياة والسلك الدراسي للطلاب الجامعيين. مجلة جامعة تكريت للعوم الإنسانية، 12 (25)، 387-420.
  • عبد الفتاح، فاتن، حليم، شيري. (2014). الصمود النفسي لدى طلاب الجامعة وعلاقته بكل من الحكمة وفاعلية الذات لديهم. مجلة كلية التربية بجامعة بورسعيد، 15، 90-134.
  • قاسم، سالي. (2017). الفروق في الاستراتيجيات مواجهة الضغوط النفسية في ضوء كل من الصلابة النفسية والمرونة المعرفية والنفسية لدى الأساتذة الجامعيين الممارسين لمهام إدارية. مجلة كلية التربية بالزقازيق، 96 (32)، 11-139. 10.21608/SEC.2017.103238
  • محمد، صلاح. (2018). إسهامات المرونة النفسية في التنبؤ بالتغلب على الاغتراب النفسي لدى الطلاب المصريين الدارسين في الخارج. المعهد العالمي للدراسة والبحث، 4 (5)، 21-51. Mayfair. 19hertford street, London w1j7ru. UK. License 10220051uk

وسوم

عن الكاتب

هشام الشيخ

باحث في الإرشاد النفسي

اقرأ لـ هشام الشيخ

اقرأ ايضاً عن الصحة النفسية

اقرأ ايضاً عن علم النفس